الأخبار

مصطفى الفقي يكتب: الاستقطاب السياسى بالشرق الأوسط

بعد انسحاب الاستعمار القديم من المنطقة بدأ بالظهور بين واشنطن وموسكو ومرت بمراحل الحرب الباردة والقوميات

 

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط نوعًا مختلفًا من الاضطرابات السياسية. قامت الجيوش العربية بسلسلة من الانقلابات العسكرية وامتدت حركة التحرر الوطني إلى دول وإمارات المنطقة العربية حيث بدأ الاستعمار القديم بشكله التقليدي، ممثلاً بقوات بريطانية أو فرنسية أو حتى عسكرية، يحمل إيطالي عصاه على الأرض الكتف ويبدأ التوجه إلى أيزنهاور بسبب تطورات تلك الحقبة وظهور مفهوم نظرية الفراغ في الشرق الأوسط، وهو المبدأ الذي سمي على اسم الرئيس الأمريكي الراحل. ومن ثم، في رأيي، نشأ استقطاب غير مبرر بين الدول التي كانت آنذاك قريبة من الاتحاد السوفييتي والدول التي كانت لها، في المقابل، علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

ثم، وفي سياق الشرق الأوسط الكبير وأجواء الحرب الباردة، بدأ الاستقطاب الدولي بالظهور في المنطقة العربية. ومع مرور السنين، مرت أمواج كثيرة تحت الجسور ومجاري الأنهار، واحتدم الصراع العربي الإسرائيلي، في هذه الأثناء، بدأت مرحلة جديدة، كانت أهم مراحلها حرب 1956 وحرب 1967، التي أدت إلى الحرب. أكتوبر 1973، وبدا الشرق الأوسط وكأنه بؤرة الصراع المحتدم في هذه المنطقة من العالم، حتى انفتحت شهية بعض دول العالم على اختراق بعض أبواب الدول العربية، ف كان هناك صراع واضطرابات في كل دولة تقريبًا، وهذا على الرغم من أن بريطانيا وفرنسا التقطتا أوراق الاستعمار القديم لمغادرة المنطقة، إلا أن إسرائيل تمكنت من البقاء في الحضن الأمريكي، فأصبحت واشنطن الراعي الأصلي للدولة. إسرائيل بعد بريطانيا وفرنسا.

وساهمت نكسة 1967 في تعزيز مكانة إسرائيل وتعزيز مكانتها عالمياً وإقليمياً. وكانت السنوات التي تلت هذه النكسة فترة صعبة على العالم العربي، خاصة على الدول التي احتلت أراضيه، وهي مصر وسوريا والأردن وربما لبنان، كما جاءت فترة حرب الاستنزاف التي أبلى فيها الجانب المصري بلاء حسنا للخروج من عباءة النكسة، حيث أدى التضامن العربي غير المسبوق بقيادة الرئيس المصري الراحل أنور السادات وبدعم من الملك السعودي الراحل فيصل إلى النصر في أكتوبر، مما سمح للقوات المصرية بالاستيلاء على قناة السويس وخط بارليف الإسرائيلي. عبرت.

نحن أمام مشهد جديد تطلب ظهور دور الدبلوماسي الأميركي الذكي هنري كيسنجر، الذي قال للسادات ذات مرة إن «المهزوم لا يملي عليه شروطه». يجب عليك على الأقل أن تشن حرب تحرك حتى يكون لكلماتك تأثير طبيعي على الأطراف الأخرى”.

وكان انتصار أكتوبر نتيجة طبيعية لهذا الشعور الذي سيطر على الروح العربية وحثها على التعامل بشكل مختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق. وطرد السادات الخبراء السوفييت من مصر وأعلن أن 99% من أوراق حل الصراع العربي الإسرائيلي تقع في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لذلك، انخفض الاستقطاب الدولي بين مؤيدي الاتحاد السوفييتي وأولئك الذين تربطهم علاقات قوية تقليديًا بالولايات المتحدة.

لقد واجهنا مشهداً مختلفاً، انتصر فيه الغرب على الشرق، وتراجع المشروع الوطني بشكل ملحوظ، والمشروع الإسلامي الذي روج له السادات في البداية، غير مدرك لخطورة عواقبه، مع سيطرة جماعة الإخوان المسلمين وسيطرتها في عهد جديد. وفي عدد من الدول العربية، وخاصة مصر، تمت السيطرة على الطريق إلى حد كبير. بلد ميلاد المجموعة هو مصر.

وكان من الممكن أن يتم قبول الأمور على هذا النحو حتى حدث شيء مهم مع الثورة الإسلامية في إيران وطرد الشاه وعودة الخميني إلى طهران، حيث استقبل مثل الفاتحين في تاريخ السمعة الإسلامية لبعض رفاقه على متن الطائرة التي نقله من فرنسا إلى مطار مهر أباد أن العرب حكموا الأمة الإسلامية قرونا طويلة، كما حكمهم الأتراك العثمانيون قرونا عديدة، وأن الوقت قد حان للفرس الآن وهي أمة إسلامية، كما حكم أحد قومه الإيرانيين. قالها الوزراء قبل بضع سنوات عندما سقطت صنعاء في أيدي الحوثيين. وغرد هذا المسؤول الإيراني بأنهم استحوذوا على العاصمة العربية الرابعة بعد دمشق وبيروت.

وهنا نواجه مشهداً جديداً من الاستقطاب الدولي في المنطقة، حيث أن صعود إيران وأطماعها السياسية وحتى أطماعها الجغرافية دفعها إلى السعي للالتهام من الدول العربية والإسلامية المجاورة وتستعين بعدد من العملاء. أراد أن يقود ميليشيات مسلحة للتأثير على سياسة المنطقة وأمن الدول داخلها. وفي المقدمة حزب الله في لبنان الذي اختزل الإرادة اللبنانية إلى دورها في الجنوب، وهو الذي شن الحرب على إسرائيل عام 2006 واستطاع أن يلعب الدور المعرقل في سياسة الدولة اللبنانية حتى وصل الأمر إلى ذلك، أن هذا البلد العربي الجميل بقي من دون رئيس لعدة سنوات بسبب نفوذ الحزب الذي يعتبر مؤسسة إيرانية على أرض عربية.

ومهما كانت المبررات التي قد تقدم في هذا الصدد، فإن حالة الاستقطاب التي نشير إليها تبدو اليوم أكثر وضوحا من أي وقت مضى. والشرق الأوسط اليوم منقسم بين عملاء إيران من جهة، وبين الرافضين لسياساتها من جهة أخرى. الأمر نفسه ينطبق على الأتراك الذين يتخذون كل يوم مواقف جديدة. بالإضافة إلى ذلك، تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي ودولة أوروبية آسيوية تتمتع بوضع خاص.

واليوم العرب على الجانب الآخر يواصلون العدوان الدموي على الشعب الفلسطيني ويبذلون جهودا إعلامية وسياسية للخروج من هذا المأزق، إلا أن ظروف الاستقطاب التي فرضت نفسها على المنطقة العربية تمنع ذلك ولنا هنا ملاحظتان :

أولاً، إن حالة الجمود في العلاقات الإقليمية والدولية تشير إلى أن كل شيء معقد، وأن الأمور لم تستقر بعد، وأن السفينة في الشرق الأوسط لم تتمكن بعد من الوصول إلى شاطئ آمن، لكن الأمور تختلف عندما ندرك أن السياسة يبدو أن تاريخ هذه المنطقة التي تقع في قلب العالم يطفو على سطح الرمال الساخنة، ولم تغلق الرواية فصولها بعد، فما زلنا في حالة ترقب تجعل الأمر صعبا لقراءة المستقبل أو حل ألغاز ما ينتظرنا، في ظل التغيرات السريعة التي أحدثها الصراع العربي الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر (1 أكتوبر).

تواجه المنطقة العربية تغيرات هائلة، ليس في هياكل الأنظمة، بل في طبيعة السياسة، والعلاقات بين إسرائيل والدول العربية تدخل مرحلة جديدة ستساعد فيها على دفع إمكانيات السياسة المرنة سياسة إسرائيلية لا تفعل ذلك. ولا تصبح فقط رهينة لليمين المتطرف في إسرائيل.

ثانياً: يتقلب المزاج في منطقة الشرق الأوسط بين موجات من التفاؤل وموجات من التشاؤم الناجم عن عدم وضوح الرؤية، رغم أن الشوارع في معظم دول العالم مليئة بمشاعر قوية داعمة ومتعاطفة مع الشعب الفلسطيني بدأت تتحقق أن الصراع العربي الإسرائيلي سيبقى قنبلة موقوتة إذا فشلنا في نزع فتيله من خلال إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في دولة مستقلة، وهو الحد الأدنى الذي يطالبون به الفلسطينيين لتوحيد الوضع ووحدة تسمح لهم بالحوار مع و التعايش مع إسرائيل، لأن القضية معقدة وحساسة للغاية، ولها أبعاد تاريخية ودينية، والرواسب البشرية كلها تتطلب درجة كبيرة من الفهم المشترك والوعي القادر على إدراك أننا في نفس القارب وفي النهاية إما أن نسبح معًا أو نغرق جميعًا.

إن حالة الاستقطاب التي نشهدها اليوم بين المعسكرين الإيراني والإسرائيلي تتطلب من العرب أن يكونوا أكثر يقظة وأن يكون لديهم فهم أعمق لطبيعة العلاقات الدولية في سياقها الإقليمي وتأثيرها على المنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى